دراسات

اتجاهات الاستثمار الأجنبي المباشر بعد جائحة كورونا

المصدر : مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية

شكلت جائحة كورونا زلزالًا اقتصاديًّا كبيرًا، ليس فقط لأنها أدت الى شلل عام في خطوط الإمداد وشرايين التواصل العالمي، قاد الى انكماش اقتصادي عالمي غير مسبوق، ولكن أيضًا للتداعيات البعيدة المدى التي ستعانيها الدول والاقتصادات الغنية والنامية لسنوات قادمة، لأن التعافي لن يكون بين عشية وضحاها.

من بين المجالات الأكثر تضررًا بتداعيات الجائحة، هو تدفقات الاستثمار المباشرة وغير المباشرة بين الدول، فوفق بيانات (الأونكتاد) فقد تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي، بنسبة تجاوزت 42 في المئة عام 2020 مقارنة بعام 2019 (وصل إلى 859 مليار دولار عام 2020 مقارنة بنحو 1.5 تريليون دولار عام 2019)، بسبب التداعيات الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا، واللافت للنظر أن نسبة التراجع كانت أشد في الاقتصادات المتقدمة، حيث وصلت الى مستوى 98 مليار دولار في النصف الأول من عام 2020 مقارنة بنحو 397 مليار دولار في الفترة المناظرة من عام 2019؛ أي بنسبة تراجع تصل إلى 75 في المئة، وبحسب جيمس زان، مدير الاستثمار والمشاريع في الأونكتاد، فإن «انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر أكثر حدة مما توقعنا، ولاسيّما في الاقتصادات المتقدمة، بينما الاقتصادات النامية صمدت أمام العاصفة بشكل أفضل نسبيًّا».

ومع اتساع التفاؤل بقرب الخروج من الجائحة في ظل توقعات بتسارع معدلات التطعيم ووصول اللقاحات إلى عدد أكبر من الدول، واستمرار سياسات التحفيز الميسّرة من الحكومات لإنعاش اقتصادها، وبدء بعض الدول إجراءات إعادة تشغيل اقتصادها، يبرز التساؤل عن اتجاهات تحرك الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة خلال المرحلة المقبلة، وهل ستحظى قطاعات أو أنشطة أو دول دون غيرها بنصيب الأسد من تدفقات الاستثمار ورأس المال المكبوت والباحث عن فرص استثمارية مجزية؟ أم أن المخاطر من ارتدادات الجائحة وتداعياتها ستعزز بقاء الاستثمارات في أدراج المدخرات وضمن حدود الدولة القومية كملاذ آمن في مرحلة التقلبات وارتفاع المخاطر وعدم الاستقرار؟

ووفق تقرير للبنك الدولي، فإن استعادة الثقة بالأسواق لاستقطاب المستثمرين من جديد ليست بالمهمة المستحيلة. ويشير التقرير إلى أن 2400 من مديري الشركات التنفيذيين الذين شملهم استطلاع للرأي في 10 بلدان من أكبر بلدان الأسواق الناشئة، أفادوا بأن «انخفاض الضرائب، وانخفاض تكلفة الأيدي العاملة، والوصول إلى الموارد الطبيعية يُعدّ أقل أهمية لقراراتهم الاستثمارية من الاستقرار السياسي والاقتصادي، ووجود بيئة قانونية وتنظيمية يمكن التنبؤ بها»، ما يعني أن أهم عوامل جاذبة للاستثمارات تقع تحت سيطرة الحكومات الوطنية، وهذا هو بوابة الدخول إلى المرحلة التالية بعد الجائحة.

وقبل تحديد المجالات والاتجاهات التي ستتحرك فيها الاستثمارات للمرحلة المقبلة، يتعين على متّخذي القرار وصانعي السياسات، وخصوصًا في الدول النامية، الاستفادة المبكرة من التعافي التدريجي والتغلب على حالة الطوارئ الصحية؛ بهدف مراجعة سياسات الاستثمار السابقة، واتخاذ إجراءات لتحسين الحوافز على المدى الطويل لجذب تدفقات استثمارية إضافية إلى اقتصاداتها، مستفيدة من مرحلة الانطلاق الأولى لموجة البحث عن وجهات استثمارية، فمعظم هذه الدول ستخرج من الأزمة مثقلة بالديون، إلى جانب العجز المتواصل في موازناتها ومحدودية الحيز في المالية العامة لتغطية تكلفة إعادة إنعاش اقتصاداتها.

وكشفت أزمة كورونا أن الاقتصادات التي التقطت طبيعة الاحتياجات التي تفرضها الأزمة قد تمكنت من استقطاب الاستثمارات الدولية، فالصين بحكم عدم إغلاق اقتصادها سيطرت على تدفقات الاستثمار العالمي، وشهدت صناعاتها المرتبطة بالمواد الصحية والطبية اللازمة للجائحة نموًّا هائلًا، وشهدت أنشطتها المتصلة بصناعة الأجهزة اللازمة للعمل عن بعد نشاطًا رائجًا لارتفاع الطلب على هذه الأجهزة والأدوات برغم الجائحة. وفي الاقتصادات المتقدمة شهدت أسهم الشركات التقنية نموًّا ملحوظًا في ظل ارتفاع تداول أسهمها في البورصات العالمية، مستفيدة من الطلب على خدماتها، وكذلك توجُّه الأفراد إلى استخدام مدخراتهم ورزم الإعانات (المال الرخيص) للاستثمار في أسواق الأسهم والعملات المشفَّرة، الأمر الذي يوضح الارتفاعات القياسية لهذه الأنشطة في فترات الإغلاق ومنع الحركة.

ويتوقع الخبراء أن يستمرّ الضغط على الأنشطة التقنية وأنشطة الطاقة النظيفة وصناعة السيارات الكهربائية خلال الفترة المقبلة، بحكم التوجهات المتزايدة نحو تحقيق استراتيجيات الحياد الكربوني وتقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة، من خلال خطط للتحول نحو استخدام الطاقة البديلة، ما سيزيد الطلب على منتجات صناعاتها مستقبلًا

المصدر : مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية

شكلت جائحة كورونا زلزالًا اقتصاديًّا كبيرًا، ليس فقط لأنها أدت الى شلل عام في خطوط الإمداد وشرايين التواصل العالمي، قاد الى انكماش اقتصادي عالمي غير مسبوق، ولكن أيضًا للتداعيات البعيدة المدى التي ستعانيها الدول والاقتصادات الغنية والنامية لسنوات قادمة، لأن التعافي لن يكون بين عشية وضحاها.

من بين المجالات الأكثر تضررًا بتداعيات الجائحة، هو تدفقات الاستثمار المباشرة وغير المباشرة بين الدول، فوفق بيانات (الأونكتاد) فقد تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي، بنسبة تجاوزت 42 في المئة عام 2020 مقارنة بعام 2019 (وصل إلى 859 مليار دولار عام 2020 مقارنة بنحو 1.5 تريليون دولار عام 2019)، بسبب التداعيات الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا، واللافت للنظر أن نسبة التراجع كانت أشد في الاقتصادات المتقدمة، حيث وصلت الى مستوى 98 مليار دولار في النصف الأول من عام 2020 مقارنة بنحو 397 مليار دولار في الفترة المناظرة من عام 2019؛ أي بنسبة تراجع تصل إلى 75 في المئة، وبحسب جيمس زان، مدير الاستثمار والمشاريع في الأونكتاد، فإن «انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر أكثر حدة مما توقعنا، ولاسيّما في الاقتصادات المتقدمة، بينما الاقتصادات النامية صمدت أمام العاصفة بشكل أفضل نسبيًّا».

ومع اتساع التفاؤل بقرب الخروج من الجائحة في ظل توقعات بتسارع معدلات التطعيم ووصول اللقاحات إلى عدد أكبر من الدول، واستمرار سياسات التحفيز الميسّرة من الحكومات لإنعاش اقتصادها، وبدء بعض الدول إجراءات إعادة تشغيل اقتصادها، يبرز التساؤل عن اتجاهات تحرك الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة خلال المرحلة المقبلة، وهل ستحظى قطاعات أو أنشطة أو دول دون غيرها بنصيب الأسد من تدفقات الاستثمار ورأس المال المكبوت والباحث عن فرص استثمارية مجزية؟ أم أن المخاطر من ارتدادات الجائحة وتداعياتها ستعزز بقاء الاستثمارات في أدراج المدخرات وضمن حدود الدولة القومية كملاذ آمن في مرحلة التقلبات وارتفاع المخاطر وعدم الاستقرار؟

ووفق تقرير للبنك الدولي، فإن استعادة الثقة بالأسواق لاستقطاب المستثمرين من جديد ليست بالمهمة المستحيلة. ويشير التقرير إلى أن 2400 من مديري الشركات التنفيذيين الذين شملهم استطلاع للرأي في 10 بلدان من أكبر بلدان الأسواق الناشئة، أفادوا بأن «انخفاض الضرائب، وانخفاض تكلفة الأيدي العاملة، والوصول إلى الموارد الطبيعية يُعدّ أقل أهمية لقراراتهم الاستثمارية من الاستقرار السياسي والاقتصادي، ووجود بيئة قانونية وتنظيمية يمكن التنبؤ بها»، ما يعني أن أهم عوامل جاذبة للاستثمارات تقع تحت سيطرة الحكومات الوطنية، وهذا هو بوابة الدخول إلى المرحلة التالية بعد الجائحة.

وقبل تحديد المجالات والاتجاهات التي ستتحرك فيها الاستثمارات للمرحلة المقبلة، يتعين على متّخذي القرار وصانعي السياسات، وخصوصًا في الدول النامية، الاستفادة المبكرة من التعافي التدريجي والتغلب على حالة الطوارئ الصحية؛ بهدف مراجعة سياسات الاستثمار السابقة، واتخاذ إجراءات لتحسين الحوافز على المدى الطويل لجذب تدفقات استثمارية إضافية إلى اقتصاداتها، مستفيدة من مرحلة الانطلاق الأولى لموجة البحث عن وجهات استثمارية، فمعظم هذه الدول ستخرج من الأزمة مثقلة بالديون، إلى جانب العجز المتواصل في موازناتها ومحدودية الحيز في المالية العامة لتغطية تكلفة إعادة إنعاش اقتصاداتها.

وكشفت أزمة كورونا أن الاقتصادات التي التقطت طبيعة الاحتياجات التي تفرضها الأزمة قد تمكنت من استقطاب الاستثمارات الدولية، فالصين بحكم عدم إغلاق اقتصادها سيطرت على تدفقات الاستثمار العالمي، وشهدت صناعاتها المرتبطة بالمواد الصحية والطبية اللازمة للجائحة نموًّا هائلًا، وشهدت أنشطتها المتصلة بصناعة الأجهزة اللازمة للعمل عن بعد نشاطًا رائجًا لارتفاع الطلب على هذه الأجهزة والأدوات برغم الجائحة. وفي الاقتصادات المتقدمة شهدت أسهم الشركات التقنية نموًّا ملحوظًا في ظل ارتفاع تداول أسهمها في البورصات العالمية، مستفيدة من الطلب على خدماتها، وكذلك توجُّه الأفراد إلى استخدام مدخراتهم ورزم الإعانات (المال الرخيص) للاستثمار في أسواق الأسهم والعملات المشفَّرة، الأمر الذي يوضح الارتفاعات القياسية لهذه الأنشطة في فترات الإغلاق ومنع الحركة.

ويتوقع الخبراء أن يستمرّ الضغط على الأنشطة التقنية وأنشطة الطاقة النظيفة وصناعة السيارات الكهربائية خلال الفترة المقبلة، بحكم التوجهات المتزايدة نحو تحقيق استراتيجيات الحياد الكربوني وتقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة، من خلال خطط للتحول نحو استخدام الطاقة البديلة، ما سيزيد الطلب على منتجات صناعاتها مستقبلًا

المصدر : مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق